mercredi 20 août 2014

داعش و الحشاش و عقر الخلافة


* قراءة في التحقيق المصور اللتي نشرته 'ڢايس' عن داعش 

"بعدين، ما أجمل من أنك ڨاعد بعقر الخلافة الإسلامية"، قالها مبتسما. هو كهل، قد يكون في الخمسينيات من عمره، حاوره صحفي فلسطيني أمريكي، من وسط السجن المرتجل بمدينة رقا السورية. ألا تزال تلك المدينة سورية؟؟؟ لا أدري ... قالها 
مبتسما، مدركا عمق ما يقول. قد يكون على علم، أن مصير رأسه سيكون الحزّ. "الحز". كم يعشق الداعشيون هاته الألفاظ الغارقة في بلاغة متناهية في القدم. شخصيا، أرجح أن يكون على علم بذلك. الكل على علم بذلك، عقاب مستهلك الحشيش لدى الدواعش هو حز الرأس. ليس الحشيش فقط، بل العديد من الأشياء الأخرى اللامتناهية العدد. أي أمر لا يشبه ما يرتئيه الدواعش دينا، عقابه الحز، إلى أن يأتي من الفتاوي ما يناقض ذلك. و الوقت الآن ليس للفتوى، بل الوقت وقت حرب. و الحز صار مجرد روتين إجرائي، أكثر منه عقابا. يقطع الرأس في انتظار تحديد الجريمة. بكل الأحوال، هم يعلمون أنهم "خير ناس تمشي على الأرض"، و أن مرتبتهم تأتي بعد الأنبياء مباشرة. الأنبياء، أتدركون ذلك؟؟؟ ذلك الحلم المستحيل، تلك المرتبة اللتي أغلق الله السبيل إليها، مع ختامة النبوة. هم تحتها بالضبط، فالله إذن لا يمكن أن يكون إلا جانبهم. و هم حين يحزون الرأس، لا يقتلون، بل يتركون مهمة الحكم النهائي لدى الله : إن كان بريئـا، فسيحتسبه الله شهيدا دون أن يغضب من مجاهديه. و إن لم يكن بريئـا، فذاك جزاؤه الإلاهي. و في الحالتين، ما على المجاهد إلا الإبلاغ، إبلاغ الروح المشكوك في أمرها إلى خالقها.

"عقر الخلافة الإسلامية" ، قالها مبتسما من قعر سجنه اللذي فتحه ناصبوه، مبتسمين هم كذلك، أما كاميرا "الذمي المرافق".  قالها و تطايرت نظرة مشتعلة من عينيه، تلك حقيقته الأخيرة و الحكمة اللتي اكتسبها من تواجده في ذاك السجن، لدى هؤلاء الناس. و يصدقه التاريخ في ادعائه. بنى الخلفاء دولتهم الأولى بحز رؤوس من اعتبروهم "رؤوس فتنة"، بعد سجنهم. ثم قامت كل خلافة على سجن و حز رؤوس الفتنة. يكفي رأيك الآخر في أي شيء كسبب للسجن، في انتظار الحز. سواء كانوا أمويين أو عباسيين أو فاطميين أو عثمانيين. كان السجن دوما "عقر الخلافة".

"عقر الخلافة الإسلامية" ، قالها مبتسما، قبل أن يردف مستنكرا بأنه طالب بمبايعة الخليفة، خليفتهم، من هناك. أصر على مبايعته هناك، و شدد على تبليغ إصراره أمام الكاميرا اللتي كانت توثق آخر أيامه. يدرك أن تلك الكاميرا هي أداته الوحيدة لترك صوت. و كرر امتعاضه من الأخوة اللذين لم يعطوه الفرصة. مشهد يذكر بالصورة الشعرية اللتي رسمها أمل دنڨل لسپارتاكوس ، حين نقل على لسانه ترجيه للقيصر كي يشرب النبيذ من جمجمته. أراد مبايعة الخليفة، من عقر الخلافة، غير أن مجاهديه رفضوا. "من شان ما تكون البيعة إجبارية" قالها بسخرية خفيفة مبعدا عينيه، مردفا "أنا هون، هون بدي بايع الخليفة". أولئك اللذين احتكموا لأنفسهم كي يحكموا عليه و يقرروا (دون محاكمة) مصادرة روحه، لا يريدون لبيعته أن تكون "تحت الضغط". يهتمون لرأيه الخاص و حريته في الإختيار، هؤلاء الإخوة. ولا يرضون أن يفرض الخليفة نفسه فرضا على إرادة العباد، في نفس الوقت اللذي يرددون فيه أن خلافتهم و شريعتهم لن تنتشر سوى بالسلاح و حد السيف.

"عقر الخلافة الإسلامية" ، قالها مبتسما. و هم كذلك مبتسمون، دوما. حين يتكلمون، حين يمرحون، حين يتدربون، حين يدعون، و خصوصا حين يحزون الرؤوس. يبتسمون ابتسامة المطمئن. و لا مصدر للطمأنينة سوى غياب السؤال و التساؤل. و لم يتساءلون، و هم "خير ناس يمشون في الأرض" ؟؟؟ لم يتساءلون و هم يعلمون في قرارة أنفسهم أن مهمتهم هي السيف، و أن الحكم الأخير لدى الله، و أن الله معهم ؟؟؟ و حين يبتسمون، تكاد لا تفرق بينهم و بين الحشاش، إلا باللحية و الشعر الطويل الطليق. كلاهما ابتسامته غائرة في عالم آخر مبطن داخل الذات، عالم ينقطع مع جريان الزمان في العالم الخارجي لينغلق شيئا فشيئا في عالمه الخاص. و بينما ينزع الحشاش للسكون و السخرية في عالمه، اللذي يهديه ترياقا ضد تسارع العصر، كنتيجة للتأثير المهدئ للحشيش، يجنح الداعشي لاعتبار عالمه الداخلي معيارا حقيقيا و موحدا لكافة العوالم المتاحة، فعالمه الداخلي قائم على طمأنينة تتغذى من انتشارها لدى الآخرين، و كما يبين "ضابط الحسبة" لا فرق في طريقة الانتشار، ترغيبا أم ترهيبا. من هذا المنظار يمكن اعتبار الدواعش پراغماتيين لأقصى درجة : لا يقلقهم بطء الترغيب مادام الترهيب موجودا. لا أدل على ذلك تلك المقاطع اللتي ينشرونها قبل كل عملية قداس، ترمى فيها الرؤوس بالعشرات. في كل مقطع من محفل الحز، لابد للمحزوز أن يصدر من رأسه المتصل صوتا يبرز خضوعة للـ"قائمة" و رضاءه بحكمها. قد يعتبرها البعض سادية مفرطة، أن تجبر المحكوم بالإعدام على التصريح بأعلى الصوت عن مساندته لك، ثم تعدمه. لكن الدواعش لا يجبرون أحدا. هم يعلمون أن الترهيب هو اللذي يجعل الناس تصرخ بشعاراتهم، أن خوف ذاك الصحفي مما يدرك أنه سيحل به هو اللذي دفعه كي يكرر تلك الكلمات المجوفة، عن لا مسؤولية معدميه عن موته. هم يعلمون أن الترهيب هو اللذي يجعل أولئك الكهول المملوئين كالمواشي في شاحنة، يصرخون "باقية، باقية" بينما تسير بهم الشاحنة حيث ستضرب رقابهم. لكنهم لا يجبرون أحدا على أن يرتهب، و لا يعطون لتلك الأصوات بالا. ألم يفعلها فرعون حين وجد نفسه محاصرا بالمياه المنطبقة عليه؟؟؟ فرعون حينها أدرك الحقيقة و استسلم لها، لكن ذلك لم يشفع له. ليس إدراك حقيقتهم هو ما يشفع. الإنتماء لهم هو الشفيع الوحيد، فهم "خير ناس تمشي على الأرض". يطبطب أحدهم على رقبة كهل، واعدا إياه بحزها، بصوت لطيف، و بلاغة ثقفية.

"بعدين، ما أجمل من أنك ڨاعد بعقر الخلافة الإسلامية"، قالها مبتسما. و هو يدرك أن الخلافة الإسلامية لا تشبه المسلسلات التاريخية المصرية ولا السورية، بتاتا. ذاك سر ابتسامته. بينما لا يدرك الدواعش ذلك بعد. و ذاك سر ابتسامتهم.



jeudi 7 août 2014

على ذكر ضرورة إصلاح المؤسسة الأمنية

جديا : من شب على شيء، شاب عليه. قطاع الأمن ماهوش باش يتنحى كوظيفة مجتمعية، باش نبداو متفاهمين م المان. من شيرة أخرى، لا فائدة في انتظار أنو البوليسية يتصلحو وحدهم، و الا بتعليمهم طرق تعامل في دورات تكوينية. ميكانيزمات العمل متاعهم، و الهامش القانوني الواسع، و الغموض التأويلي لبعض التراتيب و الأوامر الإدارية يخليهم قادرين يتحولو لما يناظر "الآلهة" كيف يستفردو بالعباد. البوليس في تونس عندو الحق "يقرر" شكون المجرم، شكون موش المجرم. و الشي الجاري بيه العمل، هو أنو اللي يخلط للمركز، 99 في الميا "يتعدى" لبوشوشة. البوليسي هو اللي عندو المعيار اللي يحول انسان من "مواطن عادي" لـ"مواطن مسجون"، مع ظروف و حيثيات الإيقاف الكارثية اللي تقتل في الفرد كل إيمان بالمشترك و المجتمع و المصلحة العامة.
في تونس، كل بوليس "يقيم" روحو حسب غزرة عرفو ليه. و بالنسبة للعرف، على قد ما تعبيلو عباد على قد ماهو باهي. البوليس اللي يسوق 50 لڨلبو، يفرح بروحو و يفرح بيه عرفو و يعتبرو خدام. المشكلة أنو سي البوليس هذا، من شيرة غير مؤهل أنو يحكم ع العباد، هو م المفروض يراقب من بعيد حسن سير الأمور العامة في إطار القانون و التعايش (هذا المفروض و المكتوب في الكتب المزيانة). من شيرة أخرى سي البوليس عندو م الإمكانيات ما يسمحلو أنو يعتبر كل عبد "مشروع سجين" و "مجرم غير ماش مشلق". ديجا كلمة معروفة عندو البوليسية، "نشدو باز نطلع منو حاجة". و هذا صحيح، بما أنا مازلنا عايشين في إطار قانوني متآكل ورثناه من القرن الفارط و حيثياتو و حالة المجتمع التونسي وقتها.
يقول قايل شنية الحل مالا؟؟؟ فما حاجات ساهلة، تنجم تتعمل بالشوية بالشوية. البوليس لازم يتنحاو من يدو سلاحات "التفوق الرمزي" اللي تألهو قدام المواطن المشدود، اللي يلقا روحو في وضع يقنعو اللي ينجمو يقتلوه و يسلكوها (و هي المعلومة اللتي يحرص كل شرطي على أن يعرفها الجميع). أبداها من سلطة "التقييم". لازم بين اللحظة اللي يوقف فيها البوليس مواطن، و اللحظة اللي يتعدى فيها ها المواطن للإيقاف (أي وجود شبهة ما، مرسخة في محضر مكتوب) يتحط "عازل"، سلطة أخرى هي اللي تحدد هل أنو المواطن هذاكا يتوقف ولا لا. لازم يولي فما محامي مع كل موقوف، و ما يتعدى حتى محضر من غير محامي، و إن لزم الأمر التفكير في آلية لتسخير محامين. هكاكا المحامي هو اللي يقرر ، أو بالأقل يساهم في القرار، و المواطن ما يلقاش روحو وحدو ملوح كي الفريسة في غابة أعوان أقرب ردود الفعل لديهم تتلخص في "أضرب الخرا مازال يتنفس". البوليس في الحالة هاذي، باش يلقى عدم تكافؤ بين "المجهود" و "القيمة"، كي يعود يجيب 50 و يتعداو منهم كان 10 مثلا، عرفو ما يقيمو كان على خمسة (مع إمكانية تحول ال40 الزايدين إلى معيار سلبي، بما أنهم يوليو تضييع وقت في الفارغ). و بما أنو التونسي بطبعه ميال لأقل ما يمكن م النشاط، نتوقع أنو البوليس العادي وحدو وحدو بالوقت باش يبدل طريقة تصرفو في الشارع مع تبديل معيارو في انتقاء العباد اللي يوقفها ولا اللي يركز معاها.
J